لما كان التعريف لأي فرع من فروع القانون يتوقف بالدرجة الأولى على النطاق الذي ينظمه، فإنه وفقا لهذه الزاوية الدولة تمثل هذا النطاق الأساسي للقانون الدستوي، إلا أن تعريفات القانون الدستوي في عموميتها لا تتعدى المعايير التي تبناها الفقه في تعريفه للقانون الدستوري، ألا وهي المعيار التاريخي، والمعيار الشكلي، والمعيار اللغوي، ثم المعيار الأكاديمي، وأخيرا المعيار الموضوعي.
بدأ تدريس القانون الدستوري كمادة في كلية الحقوق بباريس عام 1834 لغرض وحيد هو شرح أحكام الوثيقة الدستورية وضمانات الحقوق الفردية، وكذلك النظام السياسي الذي تقرره الوثيقة.
إلا أن هذا المعيار لا يعول عليه كثيرا، لاقتصاره على شرح وضع دستوري معين في فترة تاريخية محددة، خاصة بفرنسا في ظل دستور 1830، والذي ألغي بصدور دستور 1848.
(دستور) كلمة ذات أصل فارسي تعني الأساس أو البناء أو القاعدة، والقواعد القانونية في عموميتها تنظم العلاقات الإنسانية وتحدد ضوابطها وحدودها، والتي تعتبر أساسية في حياة المخاطب بها.
يقوم هذا المعيار على أساس تحديد مركز القانون الدستوري باعتباره فرعا من فروع القانون العام الداخلي الذي يبين علاقة الدولة بالفرد، وذلك من خلال الموضوعات المقررة لتدريسه في كليات الحقوق.
لا يُنظر إلى وثيقة الدستور – وفقا لهذا المعيار – كأساس لتعريف القانون الدستوري، بل يُنظر إلى ما هو دستوري من حيث الجوهر، سواء ورد في الوثيقة الدستورية أم لم يرد.
ويمكن تعريف القانون الدستوري – طبقا لهذا المعيار – بأنه “مجموعة القواعد القانونية التي تبين نظام الحكم في الدولة وعلاقته بالمواطنين”.
على الرغم من التوافق بين مصطلحي القانون الدستوري والنظم السياسية منذ قرابة الثلاثين عاما، واتفاق الفقه الدستوري على عدم الاكتفاء بدراسة القواعد القانونية للنظام السياسي، إلا أن الفقه قد اختلف حول مدلول كل منهما.
فذهب جانب من الفقه إلى وجود ترادف في المعنى بين القانون الدستوري والنظم السياسية، واعتبر أن النظام السياسي في أي دولة ما هو إلا نظام الحكم فيها.
بينما ذهب الجانب الآخر إلى عدم التطابق في المعنى بين القانون الدستوري والنظم السياسية، فهو يرى أن النظام السياسي أوسع مدلولا من القانون الدستوري.
أما الدراسة الجادة في كشف طبيعة القانون الدستوري ستؤدي بنا إلى القول بأن التطابق والترادف بين المصطلحين غير صحيح.
حيث يتبين لنا أن القانون الدستوري يُعنى فقط بالقواعد القانونية النظرية لنظام الحكم، بينما تُعنى النظم السياسية بمختلف الظروف الاقتصادية والاجتماعية والواقعية التي تؤثر في هذه القواعد، مما يؤكد عدم الترادف بين القانون الدستوري والنظم السياسية.
على الرغم من أن بعض الأجهزة التنفيذية بالدولة قد تمارس عملا حكوميا في آن، وعملا إداريا في آن آخر، مما يؤدى إلى صعوبة التمييز بين القانون الدستوري والقانون الإداري، إلا أن القانون الدستوري يظل قانون السلطات العامة الثلاث، السلطة التشريعية، والسلطة التنفيذية، والسلطة القضائية. أما القانون الإداري فهو قانون الإدارة العامة، وبالتالي يمكن التمييز بينهما. وقد قيل أن القانون الدستوري يقرر المباديء الأساسية للقانون العام للدولة، بينما القانون الإداري هو الذي يضع المباديء موضع التنفيذ.
يقصد بالقانون المالي ذلك القانون الذي يختص بتنظيم نشاطات الدولة المالية من حيثنفقاتها وإيراداتها والموازنة بينها، وهو ما يعرف بميزانية أو موازنة الدولة. لذا يعتبر القانون المالي من أقرب القوانين إلى القانون الدستوري وكذلك القانون الإداري، فقد كان هذا القانون يدرَّس معهما أحيانًا.
وعلى الرغم من الفصل بين القانون المالي والقانون الدستوري، إلا أننا نجد بعض الصلات بينهما، والتي تظهر في عدة نواحي، منها: الناحية التاريخية، والناحية الايديولوجية، والناحية التنظيمية.
للوهلة الأولى يبدو لنا أن موضوع قانون العقوبات – الذي ينصب على تحديد الجرائم الجنائية والعقوبات التي توقع على مرتكبيها – بعيدا عن مجال القانون الدستوري.
إلا أنه وبعد الدراسة بتعمق للقانون الدستوري وقانون العقوبات يتبين لنا أن الدستور في أحيان كثيرة يحوي قواعد أساسية تتعلق بشرعية الجريمة والعقوبة وبعض الضمانات الهامة للمواطن.
ومن ناحية أخرى نجد أن فلسفة القانون الدستوري وقانون العقوبات تلتقي عند نظام قائم يحدده ويبين وظائفه القانون الدستوري ويحميه قانون العقوبات، وذلك بما يقرره من عقوبات جنائية على كل من يعتدي على أي جزء من النظام السياسي الاجتماعي القانوني المسمى بالدولة.